إسرائيل والتهاوي الحتمي للعنصرية والارهاب
إن الإسرائيليين، مثل غيرهم من الأمم الغربية التي مارست الاستعمار، لا ترى غير أسلوب العنف والقهر والتمييز العنصري ضد الشعوب والجماعات التي يحتلونها… لم يجربوا أيا من أساليب التفاهم والاختلاط والشراكة في ظل الحفاظ على العدالة النسبية، هم دوما مع مبدأ كل شيء لهم وما لك هو لهم… وهم دوما ينهزمون ويرحلون ولو بعد حين، وخراب الأخضر واليابس. غالبية الإسرائيليين مستوطنون بمعنى أنهم لم يولدوا حتى في فلسطين، والذين ولدوا فيها يعيشون ذكريات آبائهم التي سمعوها منذ الصغر، تماما كما يعيش الفلسطيني ذكريات آبائه قبل النكبة. يعرف المستوطن هذه الحقيقة وان للبلاد أصحابها الذين يضحون ويموتون ويقاتلون ولا يتنازلون عن حقوقهم، ومع ذلك يتمسكون بأساطير وأفلام روجت هم يعرفون ويقرون أنها أساطير.
للتوضيح؛ فاليهود المتدينين فعلا لا يؤمنون بقيام دولة لليهود في فلسطين، والذين يدعون التدين هم العلمانيون واليساريون والملحدون اليهود، ويحتمون بمقولة وعد الرب غير المنطقية بأي منظار، أي يستغلون الدين لمأرب استعمارية… هؤلاء يعرفون أنهم غرباء مستوطنون محتلون نهابون لبيوت وحقول الفلسطينيين، وان مصيرهم الزوال، ولذلك تجد ثلثي حملة الجنسية الإسرائيلية من اليهود لديهم جنسيات أخرى حيث ولدوا أو ولد آبائهم، وهذا ما تجل في طوفان الأقصى حيث اتضح أن معظم الجنود والمدنيين الأسرى يحملون جنسيات أخرى مثل الأمريكية والفرنسية والألمانية والروسية والأوكرانية، والأدهى والأمر أن حكومات تلك الدول أصبحت تطالب المقاومة الفلسطينية باستعادتهم!!
هل يمكن للاستعمار أن يكون إنسانيا؟ الإجابة نعم رغم كل من سيحتج! الاستعمار الإسلامي لشرق حوض البحر المتوسط وجنوبه كان شديدا في فترة البداية ثم اختلط الفاتحون مع المحتلين ونشأت حضارات مختلطة جميلة عاشت لقرون كما في الاندلس ولا زالت قائمة للان في كل الدول الاسلامية غير العربية… السر في هذه الحالة الفريدة هو انعدام المركز الذي تعود له أجيال أبناء الفاتحين، وذلك على عكس الاستعمار البريطاني أو أخواته اللواتي كن يحلبن البلدان المستعمرة ويوردن للمركز حتى افتقر المحتل وادفع، واستفحل رأس المال في المركز. عندما جاءت الهزيمة الحتمية والانسحاب الانهياري التقليدي بدأت المراكز ذاتها في الغرب تتحارب وتنهار اقتصادي، وتسببت في حربين عالميين راح ضحيتها أكثر من مائة مليون نسمة، ثم لجأت هذه الدول الاستعمارية بعد حين إلى أساليب الاستعمار الحديث غير الاحتلالي المباشر.
لو جاء اليهود بنوايا حسنة إلى فلسطين لكان حال الجميع والإقليم أفضل مما هو عليه الآن، لكنهم جاؤوا بمخطط استعماري استعلائي قائم على العنف والعنصرية والنية بطرد السكان الفلسطينيين والاستيلاء على أرضهم، بل جلبوا معهم وبدعم بقايا الاستعمار الغربي خطط تهجير وإعادة ترتيب لكل سكان المنطقة سعيا لتنفيذ مخطط إسرائيل الكبرى التي أصبح بعضهم يعلنها دون مواربة. احتلوا جزءا من البلاد بالعنف والمذابح الموثقة، وواصلوا أسلوبهم وقضم الأراضي وضمها، وعززوا الاستعباد والاضطهاد والتضليل إلى درجة أن أي مقاومة لهم تتحول إلى إرهاب وإرهابيين وعدوان على كيانهم وسعي لإبادتهم!! بل صاروا يقتلون الأطفال عمدا بحجة أنهم عندما يكبرون سيقاومون الاحتلال… هذا وغيره الكثير مما اتضح في الحرب على غزة أثناء أكتوبر ونوفمبر وديسمبر 2023 يعيدنا لأشياء أساسية كثيرة، منها التساؤل في حقيقة مقولة هل إسرائيل دولة ديمقراطية؟
إذا كانت الديمقراطية تبيح الاستعمار والاحتلال الاستيطاني والعنصرية والطرد والإبادة بالطائرات وأحدث الأسلحة لأصحاب الأرض الأصليين؛ فيمكن حينها الإقرار بديمقراطية إسرائيل بمعنى ممارسة الانتخابات الدورية… لكن مفاهيم وأسس الديمقراطية تتنافى مع كل أفعال إسرائيل الرسمية وسكوت حملة الجنسية الإسرائيلية عما يشاهدون ويمارسون، كون غالبيتهم في الجيش الذي يمارس هذه الوحشية العمياء تقوده الدعاية السوداء والكذب المفضوح… لماذا لم تتولد حركة شعبية إسرائيلية تطالب بوقف المجزرة أولا والسعي للحل السلمي الذي أفسده قادتهم دوما؟ لماذا تواصل التأييد الشعبي الإسرائيلي للحرب غير المتكافئة والتي تضر بموقع اليهود وإسرائيل وتذكر العالم بالأفعال النازية؟ لقد تقبل الفلسطينيون التعايش طالما أنه بكرامة ومساواة وعدالة، وليس بعنصرية وقهر وتحايل… الجواب نجده في طبيعة الاستعمار الاستيطاني المتخوف من السلام والديمقراطية والعدالة والمساواة للجميع، ولهذا يغمض الإسرائيلي عينيه ويسد أذنيه أمام أي مطالب قد تنتقص من أرباحه وفوائده في هذا المشروع الاستعماري… يريد كل شيء، أو نصيب الأسد على الأقل، أو هدم المعبد طالما لديه جنسية بديلة وطريقه ممهدة لحياة في مكان أكثر ربح.
إن واقع إسرائيل بعد السابع من أكتوبر 2023 يتجلى في إظهار حقائق بينة مثل هشاشة المجتمع وخلافاته السياسية الداخلية، واختلافه عن المحيط وكراهيته له؛ فلقد خلقت الحرب الفاشية التي لا مثيل لها في العنف طوال تاريخ البشرية، خلقت حالة من الكراهية لأجيال قادمة مما ينسف كل فرص بقاء وتعايش للإسرائيليين مع الإقليم… هذا معناه عودة إسرائيل إلى حقيقة أنها حاملة طائرات أمريكية محمية من القوات الأموال والدبلوماسية الأميركية، وليست مجتمعا متجانسا، بل متصارعا عميلا أجيرا عند الغرب الاستعماري لمواجهة الإقليم.
أظهرت الحرب قابلية الجمهور الإسرائيلي للانسياق السلبي خلف قيادة فاشية لا تختلف في تكونها وفكرها وممارساتها عن النازية بل تفوقها بشاعة… والمهم هنا هو تكشف هذا الواقع عالميا لدى الاجيال القديمة والحديثة مما يعيد النظرة السلبية الغربية والعالمية ضد اليهود في العموم. لن تنفع هنا الهيمنة على الاعلام الرسمي فقد انكشفت الامور وتجلى كذب المؤسسة الاسرائيلية الحاكمة وداعميها بشكل مخز. الممارسات الحربية الانتقامية واللجؤ الى الشعارات الدينية من قبل سياسيين ملحدين يعمق الرؤية السلبية المتعاظمة. ان الضؤ الوحيد لليهود في نهاية النفق هي بعض الجماعات اليهودية الليبرالية والاخرى الدينية التي شجبت بالقول والفعل ما تمارسه المؤسسة الفاشية باسم اليهود، لكن كل هؤلاء يقطنون خارج فلسطين المحتلة حيث يتاح لهم حرية تعبير، اما القلة النادرة التي حاولت التصدي للتيار الفاشي في المجتمع الاسرائيلي فقد تم اعتقالهم والتحقيق معهم بتهم الخيانة الى درجة ارتعاب من ارادوا التواصل معهم من جيران وزملاء عمل؛ فالكل خائف على دخله المالي ولا يريد مراجعة سياسة الدولة الفاشية… وهذا يذكر بحال الالمان والطليان اثناء فترة حكم النازية والفاشية.
في بداية هذه الحرب كان التفهم العالمي لاسرائيل يقاس ب 65%، وفي الاسبوع الرابع أصبحت المعارضة للحرب على مستوى الرأي العام العالمي قد بلغت 95%، وذلك حسب متابعات معهد إسرائيلي متخصص في رصد الرأي العام العالمي وتوجهاته بالعموم والتفصيل. ثم أصبح المؤيدون لإسرائيل عملة نادرة، ما عدا متعصبين يهود، ومنتفعين مباشرين، ومبتزين خائفين على رزقهم في أعمال يملكها ويديرها اليهود.
لقد عطلت الدول الغربية في مجلس الامن منذ بداية الحرب قرارات الهدن الانسانية ووقف الحرب، وفي بداية الشهر الثالث للحرب لم يعد هناك في مجلس الامن من يعترض على وقف الحرب سوى واشنطن، أما قرار الجمعية العمومية المطالب بوقف للحرب لاسباب انسانية بعد اليوم السابع والستين واقتراب انهيار النظام الانساني العالمي، فقد ايدته اغلبية عالمية ولم يعترض عليه سوى الولايات المتحدة، والنمسا (مولد هتلر) وتوابع واشنطن وهم: غواتاميلا، التشيك، ناورو، بابا غينيا، برغواي، وميكرونيسيا.
مهم التذكير ان إسرائيل ومنذ تأسيسها عام 1948 بقرار التقسيم من الجمعية العمومية للامم المتحدة، وهي تعتبر ذاتها وتروج بكثافة أنها تمثل اليهود في كل العالم وتحميهم، وتركز على ان أي انتقاد لاسرائيل هو معاداة للسامية… وهي الان بموقفها المضاد للعالم والمكروه منه، تعيد خلق وتأكيد الرؤي الاوروبية والعالمية السلبية السابقة تجاه اليهود، وكل الدعم السياسي والعسكري والدبلوماسي من البيت الابيض لن يغير هذه الحقيقة التي تترسخ بسرعة… بل إن مصالح البيت الابيض ستجبر الإدارة على تغيير موقفها والتهرب من المسؤولية والانضمام الى منتقدي نتائج الحرب، وبالتالي لوم قادة إسرائيل، ومجتمعها الذي سكت على الحرب وأيدها، وسوف ينسحب الامر ويؤثر على يهود العالم!!
خوف نتنياهو واليمين المتطرف من المصير الذي انتظرهم أثر السابع من أكتوبر، وصعوبة الانتقام من حركة حماس وقادتها شخصيا، دفعهم لإثارة الحقد الأسود السياسي والديني ضد الفلسطينيين ككل، ومن ثم وقعوا في المحاذير الأخلاقية واحدا تلو الآخر، وجروا معهم المجتمع الإسرائيلي في الداخل وغالبية يهود العالم… استهانوا بالعالم ووضعوا ذواتهم في قمة الأهمية والأنانية، واستنكروا أي نقد لهم كونهم محتلين في الأصل، ولا يمكن للقوة المحتلة أن تلعب دور الضحية إلى الأبد؛ فما عليك سوى الانسحاب ومن ثم يمكنك الدفاع عن بلدك إذا تم الاعتداء عليك، وحتى ذلك العمل لا بد أن تحكمه قوانين الحرب المتعارف عليها منذ الأزل وتطورت واعتمدت في المرحلة التي تلت الحرب العالمية الثانية.
كان بوسعهم الإقرار بالاحتلال، ومن ثم بالهزيمة أثر السابع من أكتوبر وإعلان نهاية الاحتلال كما فعل الجنرال ديجول في حالة الجزائر… وبالتالي كان العالم سيحترمهم خصوصا وان كل العالم وعبر قرارات دولية متتالية طالبهم بإنهاء الاحتلال ووقف الاستيطان، وتقبل السلام مع الدولة الفلسطينية الجارة… لكنهم استظرطوا العالم وقرروا تنفيذ مخططهم الاستعماري، وأعادوا العالم إلى النظرة السلبية لليهود.
في القريب العاجل، وفي ظل الفشل العسكري في قطاع غزة وتعمق هزيمة جيشهم وزيادة خسائرهم مع كل يوم إضافي لمكابرتهم، سيعرفون أنهم انهزموا بفعل الصمود الفلسطيني الأسطوري الذي لا يتحمله سوى صاحب الحق في الأرض والوطن والمستقبل.
—–