“ان ما يجري من تطبيع وخنوع عربي يؤدي بالضرورة الى تراجع عن القرأن وتفسيره، لصالح التوراة وتفسير الإسرائيلين الحاليين لها .. ولو تأملنا مجريات الاحداث الان لتأكد لنا ذلك”.
معروف ان اصل اليهودية والاسلام من الجزيرة العربية، وهناك الكثير من النصوص المتطابقة بين التوراة والقرأن، وطبيعي ان يكون التنافس الديني في منطقة جغرافية واحدة الزامياً حتى يغلب طرف على الاخر او يتهادنا. المأساة التطبيعية الان هي استهواد الانظمة العربية على حساب الاسلام والحقوق الوطنية من منطلق انهزامي وانتهازي يؤدي لتعميق الرؤية الاسرائيلية الدينية بأنهم الافضل والاقوى والاصح دينياً.
قبل التوضيح يستحسن من القارئ التفكير بمنطقية وهو يطالع وعدم تلبس دور الداعية .. أقرأ، فكر، تأمل، ثم افحص وتأكد.
وجد الدين اليهودي (والنصرانية) واتباعه في الجزيرة العربية واليمن والعراق قبل الدعوة الاسلامية بقرون طويلة .. هم أهل الكتاب، وأهل الذكر، انذاك، الذين يشير اليهم القرأن ويطالب بسؤالهم. حاول الرسول استمالتهم ولكنهم تمسكوا بدينهم، وكان من المفترض ان يسلموا خصوصاً مع التشابه في الكثير من النصوص بين كتابهم وما جاء تباعاً في القرأن الذي اراد التحديث والتطوير للتشريعات اليهودية والنصرانية. رفض اليهود الانضمام للاسلام ومحاربته ادى للخلاف والصراع والاتهامات الاسلامية انهم زيفوا كتابهم الذي يقر القرأن انه منزل من السماء.
الاتهام الاسلامي بالتزييف في التوراة تركز على كون اليهود رفضوا الاقرار بوجود نصوص توراتية تبشر بقدوم النبي محمد وان الاوصاف تنطبق عليه. كذلك جاء اتهام التزييف لبعض النصوص وليس انكار كل المحتوى وذلك لحقيقة تشابه نصوص قرأنية مع توراتيه في المحتوى والنص، وبالتالي انكار الكل التوراتي سيعني انكار الذات الاسلامي. قبل استكمال الرواية بما حدث لليهود جراء هذا الصراع سأورد هنا بعض النصوص المتشابهة في الكتابين كأمثلة فقط. لقد كَتب الكَثير مِن الباحثين الجَادين في أوجه التّشابه بين النصوص لكُتب الديانات الأحدث، ويَسهل العُثور عَليها ومُقارنتها مِن المَصدر ذَاته.
بالرّغم مِن الاِختلاف في التّفسير الفَلسفيْ لرُؤية اليهودية والإسلام في شَأن يَوم القِيامة والثواب والعِقاب إلا أنّ التشابه واضِح في الكَثير مِن الآيات التي تَصف ذلك اليوم وهُنا مِثال:
في التوراة: ولولوا لأنّ يوم الرّب قَريب. في القُرآن: إنّهم يرونه بعيداً ونراه قريباً.
في التوراة: يَصنع فِناء بَاغتاً لِكل سُكان الأرْض. في القُرآن: بل تأتيهم بغتة فتبهتهم.
في التوراة: هو ذا الرّب يُخلي الأرْض ويُبيد سُكانها. في القرآن: ونُفخ في الصور فصُعق مَن في السماوات ومَن في الأرْض.
في التوراة: النجوم تُغير مَجراها وتَتساقط على الأرْض. في القُرآن: وإذا النجوم انكدرت .. وإذا الكواكب اِنتثرت.
في التوراة: وأُسس الأرْض تَزلزلت. تَزعزعت الأرْض تزعْزعاً وتَرنحت مثل السّكران. وفي القُرآن: إذا زُلزلت الأرْض زِلزالها .. إذا رُجت الأرْض رَجاً.
في التوراة: سَوف تَلفظ الأرْض الأجْساد الثاوِية فِيها .. في ذَلك الوَقت سَتُعيد الأرْض أمَانتُها. في القِرآن: واخرجت الأرْض أثقالها .. وإذا الأرْض مُدّت والقَت ما فِيها وتَخلت.
في التوراة: وتَلتف السماوات كدَرج. في القُرآن: يَوم تُطوى السماء كطيّ السجل للكُتب .. والسماوات مُطويات بيَمينه.
في التوراة: يقوم الأصدقاء والأخْوة ضِد بَعضهم ويَتقاتلون. في القُرآن: ولا يُسأل حَميم حميماً يُبصرونهم يَود المُجرم لو يَفتدي مِن عَذاب يَومَئذٍ بِبنيه وصَاحبته وأخيه.
يمكن الاستمرار في هذه المُقارنات إلى أمد طَويل وهي مُقارنات مَعروفة ولا تَقْتصر على قِصة آدم والجنة، أو يوم القيامة، أو قصة ابنيْ آدم وقَتل احدهما للآخر، أو قِصة نُوح والطوفان التي وجِدت في الأصِل قَبل اليهودية بأكثر مِن ألف عام ولها مُترادفات في أساطير بابل وأُمم غير مَشرقية أيضاً، وهناك دراسات عدة توضح التشابة في محتوى التوراة مع الديانات والاساطير التي سبقتها.
تمتد المقارنات إلى حَواليْ ثُلثيْ مادة القرآن وتعرف بالاسرائيليات، وتتجلى الاختلافات في المحتوى مع التوراة وكتب غَيرها مِن الديانات في السّور والايات المَدنية (التي نزلت في المدينة المنورة) حَيث جَاءت هذه الآيات تباعاً استجابة لتساؤلات المُسلمين والمُسلمات الجُدد، وحلاّ لإشْكاليات تَحدث كُل يَوم في هذا المُجتمع الجديد قَيدْ الإنشاء والتوسع. الآيات المكية في معظمها قصص واساطير تماثل بعض ما ذكر في التوراة، بينما الآيات المدنية أجمالاً لا عَلاقة لها بالتّاريخ والقِصص والأَساطير التي كانت تُنزل للنبي كآيات في مكة لمواساتِه نظراً لما كان يُلاقيه من بني قومه هناك طوال سنوات البعثة وقلة الذين أمنوا به قبل الهجرة الى المدينة ويقدر عددهم بالسبعين وغالبيتهم من المظلومين.
“السياسة الامريكية وخصوصاً منذ عهد ترامب تمارس أخذ الجزية من العرب مقابل حمايتهم وأشركت إسرائيل في هذه الممارسة تمهيداً لاستكمال الهيمنة ضمن حدود التوراة لإسرائيل الكبرى وما حولها في المنطقة”.
بالعودة الى موضوع يهود الجزيرة العربية الذين رفضوا الاسلام وتصدوا له وفشلوا وهزموا وطردوا من المدينة، أي من قلب الدولة الاسلامية الجديدة في عهد الرسول، ثم تتابعت مطاردتهم بانتشار التوسع الجغرافي الاسلامي، حتى اقروا بالهزيمة ضمنياً واستكانوا ودفعوا الجزية في كل الاقطار المهيمن عليها اسلامياً مثل النصارى وواصلوا ممارسة دينهم، بل تطوروا في الاقاليم الاسلامية تجاريا واقتصاديا وعلميا بعد ان كفوا عن التصدي للدين الاسلامي.
الدولة الاسلامية القوية المنتصرة المنتشرة جغرافياً سعت للاستفادة من مزايا اليهود طالما بقوا هامدين دينياً، وهذا الحال منح اليهود مزايا أجتماعية، ومنع اي نقاش ديني وبقي الخلاف والعداء والكراهية كالنار تحت الرماد. بقي اليهود غائبين معنوياً وظاهرياً عن منطقة الخليج، او متخفين هناك كمسلمين حتى نشأت الدولة الوهابية السعودية التي اعادت السيرة الاولى في منع تواجد اليهود في كل الدولة، لكن اليهود كانوا يعيشون طبيعياً اجتماعيا في بقية العالم الاسلامي، وكان وضعهم أفضل كثيراً عما هو في اوروبا.
مع بداية النهاية للخلافة العثمانية تولدت فكرة الصهيونية باقامة كيان في فلسطين وواصلوا المخطط المعروف بالتعاون مع نابليون ثم الانجليز فوعد بلفور وتنفيذه واقامة إسرائيل التي باشرت بجلب يهود الدول العربية عبر الترغيب والترهيب بنشاط استخباراتي إسرائيلي .. قيام إسرائيل ونكبة شعب عربي أثار حفيظة أمة العرب بالطبع وعاد العداء وفرض على الحكام العرب تجاوبا مع الشعوب، واكتسى العداء الوان دينية وسياسية ونتائج حربية.
قامت إسرائيل باعلان نواياها ان الهدف هو إسرائيل الكبرى حسب وعد الرب لهم، والاعلان ان حدودهم متحركة وهي حيث يمكن لدباباتهم الوصول، وكونهم يسيرون في مخطط مدروس يشمل التأثير البالغ على قيادة العالم وبقية قادته، فقد تمكنوا ووصلوا الى ابعاد واضحة متتالية. المفارقة انه كلما عظم التأثير الاسرائيلي على الولايات المتحدة والغرب، كلما وهن العرب وتخلف المسلمين وأختلفوا فيما بينهم وابتعدوا عن بقية قوى العالم وتعمق خنوعهم للغرب، حتى وصلوا الى مرحلة الاستعانة باليهود كلوبي سياسي في الغرب وأمريكا، والاستقواء بإسرائيل كقوة عسكرية للتصدي لايران المسلمة الجارة، وهذا هو السبب الرئيس لاعلانات التطبيع من الحكومات العربية، مع شخير وخنوع الشعوب الحالمة بالرغيف او الحماية من جراء هذا الاستهواد.
“إسرائيل تطالب بالتطبيع والاعتراف بيهودية الدولة تمهيداً للاعتراف بالتوراة وما تحتوية من وعود ربانية ورؤية دونية للاسماعيليين”.
هذا التطور المتسارع اليهودي الإسرائيلي وما يقابله من التخلف العربي الاسلامي، يحدث بينما إسرائيل تحت قيادة وتأثير يميني ديني توراتي، سيؤدي الى تكرار التجربة الاسلامية بالتوسع على حساب الامم الفقيرة والمسالمة والضعيفة عسكرياً. النتيجة المتقاربة ستكون اقامة إسرائيل الكبرى، ولو توفر للكيان الصهيوني القوة البشرية لتوسعت منذ زمن في ذات المنطقة التي احتلتها الدولة الاسلامية الداعشية، فهذه بالذات هي حدود إسرائيل الكبرى المعلنة، ولم توجد قوى محلية لا سورية ولا عراقية ولا مصرية او غيرها أستطاعت منع ومقاومة داعش، بل الولايات المتحدة والغرب هم من قاموا بالمهمة، وهم بالطبع من صنعوا داعش لتخرب ولتجرب فكرة توسيع إسرائيل.
يبدو ان المخطط الإسرائيلي يحقق مأربه الان عبر الهيمنة العسكرية وفرض الحماية وتحقيق المكاسب الاقتصادية. كما ان السعي الإسرائيلي للتطبيع يهدف الى أعتراف ديني اسلامي باليهودية وبالتالي بأهدافها ووعود الرب لليهود. حتى الان أقر المطبعون والمسالمون ضمنياً بالقدس كعاصمة لإسرائيل، وتقبلوا ما تفرضه إسرائيل من حلول، وبرغبتهم في تقبل الدعم الإسرائيلي السياسي والاقتصادي والعسكري، اي منح إسرائيل دور القائد والزعيم في المنطقة والذي اخذته لندن من استانبول العثمانية، واستولت عليه واشنطن من لندن وباريس بعد الحرب العالمية الثانية، وهاهي تل ابيب تأخذه بالتعاون مع واشنطن.
هكذا اتوقع قريباً بداية حملة من المشايخ والشيوخ للتطبيع الديني مع اليهود واليهودية، والاقرار بالتالي بصحة كتابهم وبالوعود الربانية، وسيكثر الاستشهاد بزواج الرسول من يهوديتين. كل هذا والعربان يتجاهلون ان العداء اليهودي لا يخص الشعب الفلسطيني لوحدة ولا يقتصر الخطر على فلسطين وشعبها، ولكنه يشمل كل بني اسماعيل.
(1960 حين كان الحسن الثاني ولياً للعهد اقترح ضم إسرائيل الى جامعة الدول العربية وسار على هذا الطريق لاحقاً، وفي ديسمبر 2020 جدد ضاحي خلفان الامارات أقتراح الضم وتسير بلاده في طريق التطبيق، بينما اليهود الاسرائيليون يريدون ما بين الازرقين: النيل والفرات !!).