السلام عليكم. أود في هذا المقال سؤالكم، كأفراد قبل كل شيء، عن موقفكم، أو بالأحرى عن فعلكم تجاه الإبادة التي تحدث للمسلمين في قطاع غزة تحديدا. أسألكم كأفراد كون الجماعة والمؤسسات والدول هي في المحصلة مجموعة أفراد، وفعل كل واحد، وما يقدمه من فكر يبلور عمل الجماعة، ولأنه بالطبع لا يجوز اعتماد الفرد على غيره وأن يخمد هو مع القابعين؛ فالحديث يخص كل مسلم. ومع كل الاحترام للدعاء والتضرع بنصره الناس في غزة؛ فهذا لا يكفي بأي حال، ولا يرقى إلى مستوى أضعف الإيمان. وأود التأكيد لكل واحد أن الهدف ليس الإساءة للأشخاص أو المؤسسات أو الدين طبعا، ولكن الهدف تحسين الأداء وتفحص الموقع الذاتي من الدين، ومن القيم الإنسانية طبعا، لكن هذه القيم ليست موضوعنا هنا.
هل قام كل أو معظم الشيوخ والأئمة وعلماء الدين بدورهم الريادي المفترض؟ هل أفتوا بتطبيق قواعد النصرة في الإسلام والتي بدونها يُنتقص إسلام المسلم إن لم ينتفِ؟ هل أفتوا كحد أدنى مثلاً بضرورة التبرع بنصف المال، أو الراتب لدعم الجهاد والمقاومة وصمود السكان ريثما تنتهي الحرب؟ هل قاموا بمبادرات عبر مساجدهم في القرى والأحياء لدعم عيني لسكان القطاع؟ وكأفراد هل تضامن وناصر كل مسلم أهل غزة عبر الحد الأدنى، مثل: الانضمام لمظاهرة، أو مقاطعة مستدامة لمنتجات تناصر العدو، أو زيارة نائب الحي أو مسؤول حكومي والسؤال ماذا تفعل الحكومة؟ أو ربما القيام بفكرة لجمع بعض المال لصالح الدعم الفوري أو المستقبلي؟ إذا لم تقم بأي من هذا أو أفضل منه أو ما يعادله؛ فعليك سؤال ذاتك إذا كنت فلا من ضمن ملة المسلمين… فالانتماء ليس فقط بأداء الفروض، واذا كنت لا تنتمي حقا للاسلام فلماذا اذا التركيز على المظاهر والادعاء، أو الظن بانك مسلم؟
قطعا يمكن أن تكون مسلما تعتبر ذاتك ملتزما بقواعد الدين ومتطلباته، ولكنك لا تريد نصرة مقاومة غزة وسكانها لأسباب عقائدية، ويمكن أن تكون مسلما بالولادة علماني الفكر والتطبيق، وتقوم بنصرة سكان غزة والمقاومة بغض النظر عن عقيدة فصائلها؛ فهم في النهاية يقاتلون عدوا محتلا استعماريا عنصريا يجب دحره، ومن ثم نفكر في العقائد. المهم أن يكون لك موقف حقيقي قائم على قناعات سواء مسلم مع أو ضد، أو علماني، أو إي انتماء يضم عوامل إنسانية… البقاء في موقف بلاهة هو شيء غير منطقي، الا اذا كنت ابلهاً.
من الاحاديث النبوية الموثقة بهذا الصدد، قوله: “ما من مسلم يخذل امرأ مسلم في موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه؛ إلا خذله الله في مواطن يحب فيه نصرته، وما من امرئ ينصر مسلما في موضع ينتقص فيه من عرضه، وينتهك فيه من حرمته؛ إلا نصره الله في مواطن يحب فيه نصرته”. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: “المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا”. وقال: “المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره”…
على المسلم طبعاً ان لا يخالف كلام القرأن الصريح المعني.. قال تعالى في عدم موالاة الكفار: “لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين، ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير”… وقال: “يا أيها الذين آمنوا لا تتخذون اليهود والنصارى أولياء، بعضهم أولياء بعض، ومن يتولاهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين”. من يواليهم اذا لن يهديه الله وهو من الظالمين وقطعا غير مسلم. الامور اذا جليه تماما بمناصرة المسلمين لبعضهم، وبعدم موالاة اليهود حتى بالسكوت عن افعالهم ضد مسلمين، وأي أفعال؟ ابادة باعتراف واقرار اليهود والنصارى! وكل من يخالف اوامر ربه ورسوله فعليه ان يعرف في قرارة ذاته انه غير مسلم حتى لو ضاعف الصلوات، ورحلات الحج، وصام ثلاثة شهور في السنة.
أهل غزة وفلسطين كان من نصيبهم أن يقاتلوا العدو الصهيوني اليهودي نيابة عن أمتهم الإسلامية، بقوى إسلامية وشعارات إسلامية، لذا؛ فإن نصرتهم نصرة للحق والدين والمقدسات، ويُحرم خذلانهم بأي حجج قطرية أو مصلحية. ويتجاوز المسلم الحق العصبية والقبلية والوطنية في موقفه من أهل غزة والمجاهدين في فلسطين؛ فيعدل في حكمه وموقفه وشهادته، ولا يكون عونا لليهود الصهاينة على إخوانه وأبناء جلدته أو ساكتا هامدا داعيا منتظرا فعل الآخرين من دون أي مشاركة ضمن الحدود الممكنة له… أو يعتبر ذاته غير مسلم وبعيد عن مشاعر الحق والنخوة والإنسانية التي يحملها بنو البشر. بالطبع يقع على عاتق الشيوخ وأهل العلم الدعوة لذلك وتوعية العامة بواجباتهم حسب قدراتهم، ودعوة الجماعات والمجتمعات وأولي الأمر لتصعيد النصرة وسد الحاجة، لكن تمنعهم لا يعفي المسلم الفرد؛ فالجميع يرى ويسمع وبوسعه النصرة.
حتى الآن وبعد أربعة شهور لم تخرج فتاوى تفرض تخصيص الزكاة هذا العام، وإخراجها فورا لصالح سكان قطاع غزة، ولم تنبثق مبادرات مجتمعية لدعم الأونروا التي تُغيث سكان القطاع وتم فرض حصار مالي عليها من قبل قوى الظلم والاستعمار. ألا ينبغي أن يتسابق أهل الإسلام رجالا ونساء في نجدة المجاهدين والمرابطين في فلسطين وغزة ونصرتهم بكل ما أمكن من وسائل وأدوات النصرة المادية والمعنوية الفردية والجماعية وابتكار العديد منها؟ لا بأس في هجو الكفار، لكن لا يمكن الاكتفاء بذلك… حتى غير المسلمين عبر العالم يخرجون للاحتجاج على العدوان ويطالبون حكوماتهم بالتحرك الدبلوماسي والمقاطعة، وخروجهم في مقياس النسبة والتناسب يفوق تحرك العرب والمسلمين بأضعاف، كذلك مبادراتهم للدعم المادي عبر التبرعات ونجدتهم لأهل غزة عبر المنظمات الإنسانية مرتفعة.
مع فتاوى الشيوخ أو بدونها يمكن للمسلم كفرد عمل الكثير، لكن مع الفتاوى يكون أفضل… مثلا فتوى بعدم الذهاب للحج وتخصيص المبلغ المرصود لدعم غزة! في العام الماضي بلغ عدد الحجاج مليونا ونصف المليون من خارج المملكة العربية السعودية. المتوسط الادني لتكلفة الحج تعادل أربعة آلاف دولار، أي المجموع أربعة مليارات دولار. هناك في العالم ملياري مسلم تجب عليهم الزكاة؛ فلو خصص كل واحد دولار من زكاته لغزة يتجمع مليارا دولار… هذا من دون الحديث عن تخصيص الدول الاسلامية لنسبة بسيطة من مداخيلها ولمرة واحدة لنصرة سكان قطاع غزة (اجمالي الناتج المحلي القومي فقط للدول العربية 6 تريليون دولار) خصوصا وان السبعة وخمسين دولة اسلامية وعربية لا تحارب ولا يطالبها احد بغير النجدة الاغاثية ريثما يتم تجاوز هذه المأساة التي لم يكن للسكان المسلمين في القطاع ناقة او جمل فيها، ويحتم الدين والانتماء للاسلام نصرتهم حسب الاحاديث والقرأن، والا فأنت لست من ملة المسلمين فعلا، وعليك معرفة ذلك في ضميرك جهارا وسرا.
دول الظلم عمقت العداء لسكان غزة ولكل اللاجئين الفلسطينيين وقطعت الدعم السنوي عن منظمة الأونروا التابعة للأمم المتحدة والمؤسسة منها كنتيجة لقرار تقسيم فلسطين حتى تكتمل شروطه… هم يريدون الاشتراك مع نصيرهم الاستعماري في القضاء على الشعب الفلسطيني نهائيا عبر التجويع إضافة للحرب والإبادة. يشار إلى أن وكالة الغوث تغطي نفقاتها السنوية في مناطق عملياتها الخمس، من خلال المنح المالية التي يقدمها أعضاء في الأمم المتحدة، وأبرزهم الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا والاتحاد الأوروبي.
ثماني دول عربية فقط تشارك في ميزانية الأونروا سنويا ولا يتجاوز إجمالي قيمة التبرعات العربية المقدمة للأونروا (70 مليون دولار)، أي ما نسبته (6 %) فقط من إجمالي التبرعات الدولية لوكالة الغوث، والمقدرة (بمليار و174 مليون دولار). الولايات المتحدة تتبرع ب (344) مليون دولار، والدول العربية تتبرع بما يعادل 8 % فقط من تبرع الولايات المتحدة. وبحسب الأرقام، فإن السعودية تقدم (27 مليون دولار)، والكويت (12 مليون دولار)، وقطر (10 ملايين ونصف مليون دولار)، وفلسطين (5 ملايين و760 ألف دولار)، والأردن (4 ملايين و241 ألف دولار). وتقدم سوريا تبرعات مالية بقيمة (448 ألف دولار)، وسلطة عمان (316 ألف دولار)، والبحرين (50 ألف دولار).
ميزانية الأونروا كلها يسهل تغطيتها عربيا شعبيا ورسميا، والوكالة توفر أساليب لاستقبال الدعم الشعبي من الأفراد بأي مبالغ بداية من عشرين دولارا وما فوق، ويمكن الابتعاد مؤقتا عن أي مبررات مضادة للدعم ريثما يتم تجاوز الأزمة… نسبة ضئيلة من زكاة المسلمين السنوية عبر العالم قادرة على حل أزمة الأونروا المالية وإخراج هذه المؤسسة من تحت رحمة الاستعمار… للعلم فقط نقول: تبلغ الزكاة السنوية في الدول العربية فقط 29 مليار دولار، أي 20 ضعف ميزانية الاونروا السنوية، وهذه الزكاة كافية لبناء 20 مدينة وسبع جامعات وثلاثة مطارات والعديد من المستشفيات سنويا. الزكاة غير مستحقة للحكومات؛ فهي طوعية الدفع والغاية لكل فرد، وليست مثل الضرائب الالزامية الدفع للحكومات في العالم الغربي. اذا رغم محاذير فتاوى الشيوخ بتبديل الحج بالدعم للمجاهدين وإرسال أموال الزكاة لغزة ضمن ضوابط؛ فسيكون الأمر محببا عند الله والرسول… فناضل يا مسلم وشارك بهذا الأسلوب البسيط المتاح لك… وكذلك أرح ضميرك في شهر رمضان وعد لأصول الصوم والاكتفاء بالقليل وأرسل التوفير إلى غزة!!
حتما هناك الكثير من الناس يشاركون عبر التبرع والدعم لغزة بعدة طرق، لكن الأغلبية العظمى تجلس متفرجة نائحة مولولة أو حتى صامتة ويعتبرون ذاتهم من الملة، أو في صفوف الإنسانية، وهم غير ذلك حتما.