شريعة الغاب هي هيمنة القوي على الضعيف، وحتما سادت هذه الشريعة لملايين السنين بين البشر، أو البني آدميين حتى تطورت أساليب الحكم في داخل أقاليم ثم بلدان وقوميات وحدود، ولكن الصراع استمر بشكل مضطرب متغير في داخل هذه الكيانات، وبأسلوب أعنف بين الكيانات سعيا للهيمنة والتكسب عبر القوة. نتيجة الحرب العالمية الأولى كانت السعي لتنظيم العلاقات دون حروب، لكن المعاهدات فشلت بسرعة نتيجة لتغير موازين القوى؛ فنشبت الحرب العالمية الثانية بعد أن كان الغرب القوى قد اقتسم النفوذ في مناطق العالم.
للاختصار نقول إن الهيمنة الغربية بالقوة على العالم ونهبه تمت بشعارات عنصرية، بمعنى أن من هو مغاير لأسلوبهم ولونهم ودينهم، هو أدنى منهم مكانة. تطور شعوب الغرب أدى إلى إخفاء السياسيين لهذه النزعة لكن مع استمرار العمل الفعلي بها؛ فحتى الآن نجد أن أنصع دول أوروبا تستنزف دول أفريقيا من جهة وتدعي أنها تدعمها وتساعدها من جهة أخرى، وحين تقع كارثة خارج حدودهم فلا اهتمام مماثل فيما لو كانت الكارثة بينهم كعنصر أبيض. رسميا وعلنا انتهى الاستعمار وإن كان قد واصل الاستفادة الأقل كلفة من الدول ذاتها.. ومع التراجع العلني دعموا الاستعمار الصهيوني ليقوم في وسط الشرق الاوسط ليبقى شوكة يصعب نزعها وتديم الحاجة العربية للغرب، ومن هنا دعموا النزعة العنصرية اليهودية ضد العرب عموما والفلسطينيين تحديدا، وايدوا الوصف الرسمي اليهودي للفلسطينيين بانهم حيوانات بشرية، وكان سياسيون كبار في اوروبا قد قالوا هذا العام عن شعوب افريقيا انها كالعشب الضار ويجب قصهم.
ظاهريا كان العالم الاستعماري، المسيطر على الامم المتحدة وعلى الاقتصاد العالمي والقوة الحربية، يؤيد ظاهريا القرارات لحل القضية الفلسطينية ويشجب رفض الكيان، الذي خلقوه، لمخالفته هذه القرارات، لكن دعمهم ورضاهم عن سياسات الكيان لم تتأثر سلبا.. وكان هذا الغرب الرسمي العنصري قد مارس ذات النهج مع نظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا حتى انتصرت الثورة هناك فتقبلوا النتيجة. في حالة فلسطين تقبلوا عمليا الاحتلال والاضطهاد والقتل وممارسات الاستيطان.. صحيح كانوا يصدرون قرارات شاجبة ولكنهم يتعاملون سياسيا وتجاريا مع المستوطنات، ويقولون انها غير شرعية!! لنتصور الآن وفي اشد ايام التقتيل والابادة للفلسطينيين مع هذا الزخم الاعلامي والاحتجاج الشعبي في الغرب، نجد دولة مثل كندا مدعية احترام القانون، نجدها تسكت عن بيع المستوطنين لوحدات سكنية في الضفة الغربية للكنديين في كندا تحت سمع وعين الحكومة.. وقس على ذلك التجارة بين الاتحاد الاوروبي والمستوطنات.
كان قتل مستوطن يثير الاحتجاج ويفرض العقوبات بينما قتل عشرات الفلسطينيين وحرقهم لم يكن يستدعي أي فعل مضاد من هؤلاء السياسيين العنصريين. حتى حين أعلن قادة الكيان أن الفلسطينيين حيوانات بشرية لم يشجبهم أحد، ولم يعترض أي منهم على القتل والإبادة التي يمارسونها ضد مدنيين وبنى تحتية، ويخالفون الشرائع والقوانين والمواثيق المفترض أن حكوماتهم تضمن تنفيذها، بل اصطفوا طويلا يؤيدون ويدعمون ويسلحون المعتدي العنصري، ولم يتحركوا إلا بعد ان وقفت شعوبهم ضد حملة التقتيل للأطفال وللعزل.. إن ما حدث ولا زال متواصلا لشهور طويلة وستبقى إثارة لعقود هو محاولة لحيونة شعب يحاول نيل حقوقه، وذلك لتسهيل إزاحته من الوجود تلبية لرغباتهم العنصرية وأطماعهم لامتصاص دماء المنطقة تباعا.
الشعب الفلسطيني الذي يحاولون حيونته هو شعب مسالم مثقف متعلم لديه أدنى نسبة أمية في العالم، خطيئته بالنسبة لهم أنه لم ينهزم ولم يتنازل عن حقوقه؛ فألصقوا به صفات التطرف والإرهاب والتخلف ومن ثم محاولات للحيونة!! نعم حين يسكت الغرب الرسمي عما يحدث للفلسطينيين فإنه عمليا يقول إنهم حيوانات برية يمكن تصيدهم وتنظيف الأرض منهم للعنصر الأبيض. العنصر اليهودي الذي كان مضطهدا لقرون في أوروبا ثم ضموه إليهم ويستعملونه للاستفادة، ويسمحون له بعمل ما يريد تحت حمايتهم العسكرية والدبلوماسية… فكيف تتم العملية؟
الكيان يشيطن بعض الفلسطينيين ويعمم الشيطنة على الجميع، والغرب الرسمي يستجيب لهم. الكيان يكذب ويدعي أن الفلسطيني لا يريد السلام ويسعى للقضاء على اليهود وبالتالي يجب القضاء عليهم قبل قيامهم بذلك، والغرب الرسمي يؤيد ويدعم.. أما الآن وعبر هذه الإبادة القائمة منذ شهور؛ فالغرب الرسمي يتفرج ويحتج عمليا لطول الفترة التي حركت شعوبهم ضد الحرب.. يدعون صعوبة إنقاذ الجوعى وعجز عن وقف العدوان بينما في الحقيقة يستعجلون النتائج.
الكيان يقتل بأقصى طاقته من دون اللجوء للأسلحة النووية، ويدمر كل شيء حتى إذا ما توقفت الحرب لا يجد الناجون مأوى وملبس ومأكل، ولا تعليم أو صحة أو مرافق عامة، أي دفع الناس للحيونة وتسيد القوي على الضعيف بينما هم في غابة موحشة محاصرة في التطبيق العملي. ومنذ الأسبوع الأول باشرت قوات الاحتلال تدمير مؤسسات الأمن العام، وقتل رجال الشرطة، ومن ثم قصف البيوت بعد تنسيق من العملاء لنهب المحتويات كمكافأة لهم ولنشر الفوضى والتشجيع على النهب والسرقة لحيونة البعض وإرهاب الآخرين. في المناطق الراقية في مدينة غزة غزا جنود الاحتلال البيوت والبنوك ونهبوا المحتويات والخزائن وتصرفوا كالرعاع، ثم حرضوا عملاءهم على مواصلة هذا النهج.. كل شيء تمت سرقته، وما لم يُسرق تم تخريبه حسب تعليماتهم حتى لا يجد الناجون ما ينفعهم كبشر.
مع تصاعد بعض الضغط الدولي لإدخال الطعام لشمال القطاع الجائع فعلا، رفض الاحتلال السماح لوكالة الأمم المتحدة بنقل وتوزيع الطحين، ولكنهم ادخلوه في شاحنات توقفت عند حاجز للجنود وباشروا بقتل الجمهور، وقد تكررت مثل هذه المصيدة للقتل ولدفع الناس للتصرف مثل حيوانات تركض للطحين والطعام… وسمحوا بالتصوير، بل صوروا الحدث من الجو ونشروه فورا لتحقيق دعايتهم.
حين طلبت قوات الاحتلال من أهل الشمال النزوح إلى الجنوب، كان سفراءهم في الإعلام الغربي يدعون وجود مخيمات صحية في انتظار النازحين؛ فوجد النازحين لا شيء سوى الازدحام القاتل دون مرافق صحية وطبية وتغذية ومبيت.. وبالطبع كل هذا لتحويل الإنسان لغرائز حيوانية، كيف يأكل واين يقضي حاجته، وبماذا يتدفأ.. ورغم تعاون أبناء الشعب وصمودهم إلا أن كلا منهم يجد ذاته مشغولا طوال اليوم بالأساسيات التي من الصعب الوفاء بها في ظل الحصار القاتل على مدينة رفح، بينما آلاف الشاحنات المليئة بالدعم واقفة على بعد أمتار عبر السياج الحدودي مع مصر.. الاحتلال يحاصرهم ويجوعهم ويريد لهم التصرف كالحيوانات؛ فيجتازون الحدود حيث الطعام ويتركون بلادهم وتتكرر نكبتهم ولكن خارج بلادهم هذه المرة.
سكان قطاع غزة من أشجع البشر وتاريخهم يمتد عبر العصور، منذ صمودهم أمام بابل ومن بعدهم الفرس ثم الإسكندر الأكبر وتلاه فشل الرومان، الذين تحولوا إلى غزيين، ولن يتغلب علينا حتما أسراب من الضباع المسعورة الفاشية العنصرية. سنعيد الحياة أجمل مما كانت وسنبني بالحطام ميناء، وسنصنع أساليب ردع للمستقبل، ولن نتنازل عن شبر أو حرف من حقوقنا.. سنعيش كراما رغم طوفان الخبثاء.
